مدونة أحمد

مؤخرا .. فكرة واحدة فقط تدور داخل عقلي، " توقف عن العمل كمبرمج " ، وأظن أنه قد حان وقت الكتابة عنها قليلا. لست متأكدا من قراري بعد، فقط أحببت أن أكتب وأفكر لعلي أجيب نفسي بنفسي.

لطالما كنت أبرمج لأني أعشق البرمجة، في الحقيقة لا استمتع بشيء أكثر من كتابة بعض الأكواد، بدأت تعلم البرمجة في المرحلة الثانوية ولم أتوقف للحظة منذ ذلك الحين وبطبيعة الحال أصبحت البرمجة بالنسبة لي مهنة، اعمل كمطور مواقع ويب منذ حوالي 10 سنوات، لكن ما سبب انفجار فكرة ترك العمل كمبرمج مؤخرا !؟

البرمجة مهنة مرهقة عقليا، كمبرمج أنت تقضي جُل يومك إما تفكر في حل لمشكلة ما أو تتعلم تقنية جديدة، وأنت في هذه الحلقة ما دمت مبرمجا. الكثيرون ممن حولك يستهينون بهذه الحقيقة وما يترتب عنها. أن تتخذ البرمجة كعمل، هذا يعني أنك مجبر على التفكير، مجبر على القراءة، وهنا تكمن المشكلة! أن تفكر لنفسك، أن تقرأ لنفسك أنت حر في نهاية الأمر، لكن ما أن تجبر على التفكير والقراءة لصالح غيرك، إذا على غيرك أن يدفع لك مقابل هذا، وقلَّ من يدفع!.

مع بداية أي مشروع برمجي جديد، تبدأ رحلة الدراسة والبحث والتحليل، والتي تتخللها عشرات الزيارات لمؤسسة العميل مثلا، أقوم خلالها بالتحدث مع أغلب موظفي المؤسسة، وغالبا ما يحتاج المشروع من ثلاثة إلى أربع أسابيع دراسة وتحليل، ومن ثم يبدأ العمل الفعلي والذي يتخلله برمجة وتجربة والكثير مما بين، كل هذا الجهد لا يقدر من قبل العميل ولا حتى من قبل رب العمل إن كنت تعمل لصالح مؤسسة ما، ستجد نفسك مضطرا لبذل جهد لا يساوي الدخل، ومن هنا كانت بداية انفجار فكرة ترك البرمجة كعمل.

كل من يعرفني يعرف أني مثالي جدا، وأكثر من اللازم، خصوصا فيما يتعلق بالعمل، لا أسلم منتج هزيل ولا ناقص، في جميع مشاريعي خرجت عن كراسة المواصفات عشرات المرات، فقط لأقدم منتج يرضيني قبل أن يرضي غيري، قمت بتحسين وإضافة مميزات ( بدون مقابل ) لمشاريع بعد تسليمها بأشهر، كوني هذا الشخص، لا أسمح لنفسي بأن أتوقف عن التعلم، قرأت كتب خصيصا لصالح مشاريع ميزانيتها ضعيفة جدا فقط لأجل أن تكون النتيجة النهائية كما "أحب" ولكن في النهاية و بحساب هذا الجهد ومقارنته بالدخل، أظن أنه لا يساوي شيء، بل أقل بكثير من المتوقع، أصبحت شبه متأكد من أن استمراري في العمل كمبرمج سينتهي بكرهي للبرمجة ككل، وهذا ما لن أسمح بحدوثه.

ليست المشكلة في الدخل المادي أكثر من كونها مشكلة الدخل مقارنة بالجهد المبذول، إذ لا مشكلة لدي أبدًا أن أعمل في مجال آخر بأقل من نصف دخلي الحالي، لكن ما أرفضه بشكل قطعي مؤخرا هو أن أبذل جهد "عقلي" كبير مقابل دخل مادي قليل.

أذكر فترة عملي كمدير مشاريع والتي تحدث عنها في تدوينة سابقة لي، كانت فترة جميلة جدا مرت دون أي ضغوطات، كنت أداوم صباحا وأبرمج " كهواية " مساءً، وكنتيجة خرجت بمشروع " دورلي ". أظن أني أفتقد تلك الفترة رغم قِصرها، وأظن أني سأعود إلى هناك قريبا ..

البرمجة كمهنة جميلة، لكن لا مكان لها هنا في ليبيا : )