مدونة أحمد

لم أستطع يومًا البوح برأيي المتشبث بفكرة = يستحيل على الإنسان فهم أو إيجاد حل لأي مشكلة ما لم يجري قبلها عدة تجارب "حقيقية" وأن الاجتماعات/جلسات العصف الذهني/لقاءات الزووم أو سمها ما شئت ليست إلا ساعات أخرى تضاف إلى عدّاد الساعات الضائعة.

أخرج غالبًا من معظم اجتماعاتي مع العملاء كقط سقط من ارتفاع شاهق وسط طريق مليء بالسيارات = غير مدرك لما حدث ولا أعلم في أي اتجاه يجب السير! استحي من طلب "إعادة الشرح!"، واتحسر على فقدان سرعة الاستيعاب والتركيز والفهم = "طبعا طبعا خلاص كبرنا أصلا!"، ويتملكني شعور الضعف (أو الغباء .. لا أدري!) طِوال طريق عودتي إلى المنزل، ويبدأ سيل من الأسئلة يُقذَف من كل اتجاه .. "المفروض قتله شن قصده بالزبط!"، "ياريت سألت كيف يبوها تخدم بالزبط"، "علاش قتله عادي وساهلة ونقدر نديرها في يومين؟! وأني أصلا مش فاهم شن يبي بالزبط!".

تمر الأيّام، استقبل بريد إلكتروني بالتفاصيل والمتطلبات، ابدأ في العمل على المشروع وخلال أيام قليلة أرسل نموذج أولي "جدًا" للعميل وأجتمع معه لعدة دقائق لأكتشف أن فهمي للمشكلة الحقيقية لم يتجاوز الـ 30٪ في أحسن الأحوال = أصحح فهمي وأفكاري ومن هنا أعتبر أن العمل بدأ فعلا وأني مدرك بشكل أفضل للخطوات القادمة، أقوم بحذف النسخة الأولى وأبدأ من جديد، واستمر في هذه الدائرة مع أغلب الخصائص الأخرى للنظام.

أنا على هذا الحال منذ سنوات، بذات الشعور بالضعف والاستحياء وذات الخوف الداخلي إلى أن صادفني اليوم رد من راسموس أندرسون عضو مؤسس في Spotify فلم أجد نفسي إلا جالسًا أكتب هذه النصيحة غير المرغوب فيها = يقول راسموس رادًا على أحدهم:

"حاول أن تفعل القليل جدًا في وقت قصير جدًا. حتى [بالعمل] مع أفضل الأشخاص الذين يمكن تخيلهم، ستكون مخطئًا في الغالب، وهذا يعني: كل ما تقوم ببنائه الآن [في البداية] سيتغير لاحقًا، بشكل جذري. حاول الوصول إلى نتيجة ما بسرعة وبقليل من الاستثمار العاطفي.".

ويضيف قائلا: "بدلاً من قضاء أشهر في التخطيط وبناء مكونات النظام، اقض أسبوعًا في بناء منتج فعّال باستخدام أقل الأدوات المتاحة .. تخيل أن لديك 0 دولار للابتكار. بعد هذا الأسبوع ، سيكون لديك فكرة أفضل عما يجب إنشاؤه للإصدار الأول [من المنتج/المشروع]، والذي سيظل 25٪ فقط "صحيحًا". أيضًا، ركز على جعل تجربة واحدة جيدة بدلاً من بناء كل شيء في آن واحد.". 

وأنهى كلامه بـ "كان هذا هو الحال في 100٪ من الأشياء التي عملت عليها في Spotify و GraphQL و Figma. نحن مخطئون دائمًا ويتم تحديد النجاح من خلال قدرتنا على التغيير ، وليس من خلال كوننا على صواب :-)"

نعم، نحن مخطئون دائمًا، والإصرار - الغريب - على محاولة فهم أو إنجاز ما نعمل أو سنعمل عليه من أول مرة بكثرة الاجتماعات وجلسات العصف الذهني للوصول إلى نتيجة "خلاص، توا الكل فاهم .. يلاً نبدأ الشغل" = لا يؤدي إلا إلى إطالة عمر المشروع (وزمن حل المشكلة) والوقوع في الكثير من الأخطاء والتي يستحيل أحيانًا حلها لاحقًا إلا بإعادة العمل من الصفر.

حاول طرح المشكلة على فريق العمل، إمنحهم أسبوع أو إثنين لمحاولة فهمها وحلها بشكل مبدئي، بعدها رتّب جلسات للعصف الذهني إن لزم. وإن كنت مستقلاً تعمل لوحدك، حاول إقناع العميل بتنفيذ وتسليم جزء بسيط جدًا من المشروع قبل البدء الفعلي في العمل، على أن تتم تجربته بشكل حقيقي أو شبه حقيقي من قبل العميل.

وأختم هنا نصيحتي باقتباس من كتاب The Principles of Product Development Flow للكاتب دونالد راينرتسن الذي يقول: 

"لإدارة تطوير المنتج بشكل فعال، يجب أن ندرك أن المعلومات الجديدة القيّمة [الواردة أثناء مراحل التطوير والتجربة] تصل باستمرار طوال دورة التطوير. بدلاً من أن نبقى جامدين، و منغلقين على خطتنا الأصلية، يجب أن نتعلم كيفية اتخاذ خيارات اقتصادية جيدة باستخدام المعلومات الجديدة الواردة."